حاول ان تتغلب على عدوك

ما أصعب أن تكشف زيف ما يزينه الشيطان للإنسان ﴿أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسنا﴾ لأنك لا تملك قدرة الإغواء التي يملكها هذا الوسواس الخناس ولا تستطيع أن تنفذ في النفس البشرية كما ينفذ هو حتى يستحود عليها ويكبلها بأغلال المعصية والرذيلة ، قد تستغرق أطول وقت في الإرشاد والنصح وتستخدم ما يكفي من الآليات الإقناعية لهذا الغرض لكنك تصطدم في النهاية بحاجز صلب يسمى التعنت فيظل الإنسان مرتبطا بما رصعه ابليس له بالماس وما توجهه له من فضيلة يظهره ذاك الملعون في منتهى القبح والثقل، وتكمن قوة الإقناع عند الشيطان في الإغراء والاشتغال على الغرائز والرغبات التي هي نقطة الضعف لدى بن آدم فهو يهيج شهوتنا ويدفعنا للمغامرة إتماما لرسالة الشر التي بدأها مع أبوينا آدم وحواء.

يبدو في قول الشيطان فبعزتك لأغوينهم أجمعين استهدافه للبشرية جمعاء لكن هذا لا يدعو للقلق لأنه أضاف إلا عبادك منهم المخلصين مقتنعا أن هناك من الناس المحترسينَ اليقظينَ الذين يستطيعون بإيمانهم القوي فك حبائله وإجلاءه الذين لا ينخدعون بمغرياته ،هل تعلم أن ما تستحليه من الحرام ليس كما يُصور لك ؟ وما تنفر منه من الحلال ليس كما يبدو لك ، كما لا خير في لذة من بعدها النار، وهل تعلم أن الشيطان يتبرأ منك بعد أن يوقع بك في شركه؟ وهذا ما جاء في القرآن الكريم ﴿كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريئ منك إني أخاف الله رب العالمين﴾.

هذا الكائن الخبيث البارع الذي قد يوصف بالذكاء والذي تمكن من نيل إعجاب البعض وخصوصا في العالم الغربي فأضحى حاضرا في الملصقات والملابس والشعارات وصُوِّرَ في الأفلام والبرامج التلفزية وأصبحت عبارات Satan , Devil وغيرها متداولة في أوساط الشباب ناهيك عن ظهور فرق شبابية تعظم هذا المخلوق الحقير ، هذا مؤشر دال على الإعجاب والإعتراف بالدهاء الذي حظي به هذا الكائن الناري الشرير بل هناك في العالم المتسيب من يتصور شكل الشيطان ويقلده ويحب أن يبدو على هيئته البشعة ، وفيه قال الشاعر الزنديق :ابليس أفضل من ابيكم آدم ** فتبينوا يا معشر الفجار ، النار عنصره وآدم طينة ** والطين لا يسمو سمو النار، وإنه والله أضعف وأدنى الخلق ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأن سلاحه الأوحد هو الوسوسة وصدق الله العظيم في قوله ﴿إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾.

يستطيع المرء أن يكشف حقيقة الشيطان بإيمانه القوي وتوثيق الرباط بينه وبين ربه فلا يمسه السوء مصداقا لقوله تعالى ﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا﴾ أما الذين تولوه فلا بد أن يمسهم الضُّر في الدنيا والآخرة وقد قال تعالى في سورة المجادلة ﴿استحود عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون﴾.

عندما يوقع إبليس بك في شركه فإنه يظهر لك عالمه القذر في أجمل صورة فيتركك في يد المعاصي التي تتخطفك وكأنك في بحر لجي تتلاعب بك أمواج الضلال وفي النهاية يُلْقَى بك مكسورا ،لقد جاء في قوله تعالى ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا﴾ لذا يجب أن نحترس منه ونتوخى الحيطة ونعلم أنه خطر يحدق بنا من كل جانب فكل ما يصيب الإنسان من حيرة وشبهات وشرود ذهني وضيق نفسي إنما هو من عمل الشيطان ليأتيَ فيما بعدُ ليوريه الطريق الخاطئ ويَصده عن السبيل وهنا يتجلى الانحراف ومعناه الخروج عن المسار المحدد ذو المقصد الجيد ولو كان في الطريق القويم شر لسمي انحرافا سيرنا فيه، يقول تعالى في كتابه العزيز ﴿ألم نجعل له لسانا وشفتين وهديناه النجدين﴾ والنجدين طريقا الخير والشر وترك لنا الخيار إما المضي في طريق الفوز أو سلوك طريق الخسران ، فلا تغتر بوساوس هذا المخلوق اللعين ولا بدعوات أوليائه وأتباعه من البشر فهو يسخر لك أناسا لطفاء ظرفاء يبتغون مصلحتك يبينون لك الحب وما هم كذلك في الحقيقة وإنما هي صورة مزيفة لأناس يسحبونك نحو المعصية ويدعونك لتذهب في جولة مع الشيطان وتسبح في حوضه العكر فتعيش طوال حياتك في ظلام دامس لذا اثبت ولا تبرح ظل الله تعالى ولا تجعل الأطايب والأماني الشيطانية تزعزع قناعاتك وتحرفك عن الطريق الصحيح، فالشيطان يعد الناس ويمنيهم ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾ فلا يغرنكم بالله الغَرُورُ وهو الشيطان الذي يُحَرِّف ويغطي الحقيقة.

التقوى والفجور عنصران يصطرعان في النفس البشرية ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾ يحاولان إضفاء صبغتهما الخاصة على تصرفات الإنسان ومنه نلمس تقلب النفس فكل مرة تغلب إحداهما على الثانية ، كما لكل منهما صفات خاصة ترافقهما ومن ميزات الأولى العفة، الحلم ،الإيثار،الغيرة،الحب الخالص لله ورسوله...ومن قبائح الثانية :الإنحراف ،الظلم ،الحقد ،الضغينة،الكفر،العصيان،الحسد... يقوم إبليس بتضخيم عنصر الفجور ليعمل على تغييب التقوى عند الإنسان وإن حدث و بسط سيطرته على بعض الناس وحقق مبتغاه تبقى احتمالية إحياء التقوى حاضرة لذا لا تيأس من رحمة الله واعمل على تنقية نفسك مما يشوبها من وجوه الفجور.

منا من يأتي الخطيئة و يستعيد بالله من الشيطان ثم يقع في نفس الأمر مرة أخرى وهذا إن دل فإنما يدل على وجود ثغرة يستغلها اللعين لإسقاطك في شباكه والتي تتحدد في ضعف الإيمان وعدم صدق النية وغياب العزيمة القوية فاتقاء شر الشيطان يتطلب الحزم والإيمان وصدق النية وينبغي أن نفرق بين التوبة الخالصة وتوبة الثعالب.

السعادة في الحرام لحظية سرعان ما تتبدد ويزاح الستار عن حقيقتها الوهمية فيصبح الإنسان نادما على ما اقترف ويدفع ثمن تلك الخرجة الاستطلاعية إلى عالم الذنوب والمعاصي فلا تتبع خطوات الشيطان ولا تأمنه فإنه لك عدو مبين